فيما تنخرط مجموعة الوفاق -التي يعتقد أنها تحظى بدعم المكون العسكري- باجتماعات لتحديد ممثليها في خلية الأزمة، تقول مجموعة المجلس المركزي إن الخلاف ليس بين 3 أطراف وإنما بين طرفين؛ هما “الحرية والتغيير” و”المكون العسكري” في مجلس السيادة.
الخرطوم – هدوء حذر يخيم على العاصمة السودانية الخرطوم أثناء عطلة المولد النبوي الشريف، بينما تشهد اعتصاما لليوم الرابع على التوالي أمام القصر الرئاسي لمناصري “قوى الحرية والتغيير- مجموعة الوفاق الوطني” المطالبة بحل الحكومة.
لكنه الهدوء الذي يبدو أنه يسبق عاصفة أخرى موعدها غدا الخميس 21 أكتوبر/تشرين الأول، حيث تستعد الخرطوم لحشود مضادة من مناصري الحكومة وحاضنتها من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير.
ومن وسط كل هذا المشهد المعقد الذي يكاد أن يعصف بالفترة الانتقالية، خرج اجتماع مجلس الوزراء السوداني -أول أمس الاثنين- بقرار تشكيل “خلية أزمة” تشارك فيها كل الأطراف المعنية للتوافق على حلول عملية لتحصين وحماية واستقرار السودان.
خلية الأزمة التي تبناها مجلس الوزراء لا تزال غير واضحة المعالم سوى ملامح أزمة ستلازمها، فحتى الآن لم تسمِّ الأطرافُ المعنية أسماء عضويتها فيها للبدء في وضع الإطار الزمني وآليات عملها للوصول إلى غاياتها.
وكان مصدر وزاري مطلع قد قال للجزيرة إن اللجنة ستكون برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وتضم ممثلَين عن المكون العسكري، و4 من قوى الحرية والتغيير، بواقع ممثلَين من مجموعتي المجلس المركزي والميثاق الوطني.
اعتصام مجموعة الوفاق الوطني يتواصل أمام القصر الرئاسي لليوم الخامس على التوالي (الأناضول)
أزمة طرفين
وفيما تنخرط مجموعة الوفاق التي يعتقد أنها تحظى بدعم المكون العسكري في اجتماعات لتحديد ممثليها في خلية الأزمة، تقول قوى “الحرية والتغيير- مجموعة المجلس المركزي” إن الخلاف ليس بين 3 أطراف وإنما بين طرفين؛ هما “الحرية والتغيير” و”المكون العسكري” في مجلس السيادة.
وقال القيادي في “الحرية والتغيير- مجموعة المجلس المركزي” للجزيرة نت إن قرار مجلس الوزراء يتحدث عن 3 أطراف للأزمة، بينما الحقيقة أنها بين طرفين وليس هناك طرف ثالث، وقال إن “المكون العسكري جمّد العمل المشترك في المؤسسات الانتقالية”، مضيفا أنهم لا يحتاجون إلى لجان وإنما للالتزام بالوثيقة الدستورية من قبل المكون العسكري.
وقد أعلنت مجموعة الوفاق الوطني عمليا موافقتها على المبادرة بانخراطها في اجتماعات لتحديد ممثليها في “خلية الأزمة”، بحسب القيادي علي عسكوري الذي قال للجزيرة نت إن “الراجح أن تحدد المجموعة كلا من رئيس حركة العدل والمساواة الدكتور جبريل إبراهيم ورئيس حركة تحرير السودان “مني أركو مناوي” كممثلين لها في اللجنة”.
وأبدى عسكوري تفاؤله بنجاح الخلية في وضع خارطة طريق لحل الأزمة السياسية. مشترطا صدق النوايا لدى الطرف الآخر واتهمه باختطاف القرار السياسي في البلاد ورفض مشاركة الآخرين، وأكد على مواصلة الاعتصام لحين تحقيق أهدافهم.
انسداد الأفق
ووقعت “قوى الحرية والتغيير – مجموعة الوفاق” ميثاقها السبت الماضي، تزامنا مع إعلان الاعتصام أمام القصر الرئاسي بالخرطوم. وطالبت بحل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة تمثل كل الأطراف التي شاركت في ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 التي أطاحت بالرئيس عمر البشير.
وتدعو المجموعة إلى وفاق وطني يشمل جميع قوى الثورة، وتتهمها مجموعة المجلس المركزي بأنها تضم أحزابا شاركت نظام الإنقاذ حتى لحظة سقوطه في 11 أبريل/نيسان 2019.
ويرى الدكتور مهدي دهب -أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا- أن هناك انسدادا في الأفق السياسي، مما سيعيق أي مبادرة لحل الأزمة الراهنة التي تتطلب استعداد أطراف الصراع لتقديم تنازلات وكذلك السند الشعبي.
وقال دهب -في حديثه للجزيرة نت- إن “إصرار المجموعة المدعومة من المكون العسكري التي تسعى لتقويض السلطة وإلغاء الوثيقة الدستورية سيقف عقبة أمام أي مبادرة لحل الأزمة”.
وأشار إلى أن هناك من يخشون دولة القانون والمؤسسات التي ستفتح كثيرا من ملفات الانتهاكات التي يخشاها المناوئين للتحول الديمقراطي. وأضاف أن “الحل في قدرة القوى الثورية على التوصل إلى اتفاق كحد أدنى للتحول الديمقراطي، والمرحلة تحتاج إلى حكماء من المؤسسة العسكرية يؤمنون بالتحول الديمقراطي وحمايته”.
الكاتب والمحلل السياسي فتحي الضوي يذهب -في ذات الاتجاه- إلى أن الأزمة بلغت طورا بعيدا ويصعب التعويل على “خلية الأزمة” لحلها.
وقال الضوي للجزيرة نت إن “المشكلة ليست في عدد أعضاء الخلية، ولكن في من هم؟ فطبيعة الأزمة تعتمد على الأشخاص أكثر من المحتوى”، وقال إن توقيت قرار تشكيل الخلية يواجه بالتحول الدراماتيكي مع الدعوات للخروج غدا الخميس، وإن “أي حل رهين بالضغط على المكون العسكري لأنه هو من تسبب في الأزمة التي تحل بالتزامه بالوثيقة الدستورية”.
وحتى تنجلي العاصفة التي أثارها تشكيل خلية الأزمة، يترقب الجميع وصول وفود دولية إلى الخرطوم. فالأزمة تجاوزت الحدود، حيث تبعث بريطانيا بوزيرة الشؤون الأفريقية هارييت بالدوين، فيما يصل نائب المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي في زيارة متزامنة لبحث الأزمة الراهنة.